بعد إنقضاء نصف شهر رمضان، لازال الكثير لم يجتهد في العبادة كما يجب .. على الرغم من أن الأحوال مهيأة وقد سلسِلت الشياطين وفتحت أبواب الجنة وأغلقِت أبواب النار وقد ناد مناد يا باغي الخير أقبِّل ويا باغي الشر أقصِّر .. فإذا لم تكن قد حصدت الثمار المرجوة إلى الآن، فلابد أن تقف وقفة محاسبة وتعلم أن المشكلة تكمن في نفسك التي بين جنبيك ..
والدافع الذي سيدفعك للتحرك وأخذ القرار بالتوبة إلى الله تعالى، هو:
أولاً: استشعــــار الخطر .. فالموت لا ينتظر أحدًا، إما أن تسارع لإستدراك ما فاتك أو تندم وتتحسر عليه يوم لا ينفع الندم .. يقول الله عز وجل {وَهم يَصطَرِخونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخرِجنَا نَعمَل صَالِحًا غَيرَ الَّذِي كنَّا نَعمَل أَوَلَم نعَمِّركم مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكم النَّذِير فَذوقوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَصِيرٍ}
ثانيًا: رجــــاء رحمة الله عز وجل والخوف من عقابه .. عن ثابت عن أنس: أن النبي 
دخل على شاب وهو في الموت، فقال “كيف تجدك؟”، قال: أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله “لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف”
ونحن في زمن المغفرة .. ألا تحب أن يغفر الله لك؟!!
ومن أسبـــــاب المغفرة ونزول رحمة الله عزَّ وجلَّ .. التي ينبغي أن تحرِّص عليها، كي تفتح صفحة بيضاء جديدة مع ربك سبحانه وتعالى ..
1) إصلاح الصيـــــــام .. قال رسول الله “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” .. فلا يكن يوم صومك كيوم فطرك، بل لابد أن تحصِّل من صيامك ثمرة التقوى ..
وتتحقق التقوى بغض البصر .. ففيه تتجسد معاني الخيانة والتقوى، يقول تعالى {يَعلَم خَائِنَةَ الأَعينِ وَمَا تخفِي الصّدور} .. لأنك حينما تغض بصرك تعلم أن الله هو الرقيب، وإنه ناظرٌ إليك ومطلعٌ عليك .. وهذه هي المراقبة لله عز وجل في السر والعلن، التي تتحقق بها التقوى.
2) إصلاح القيــــــــــــام .. فقد قال “ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” ..
تعلَّم لذة المناجـــــــاة في القيـــــام .. وبث شكواك إلى الملك سبحانه وتعالى، لكي تنال مغفرته إذا ما أطلَّع على ما في قلبك فوجد الرغبة الملحة والأكيدة للإنابة .. قال تعالى{يَا أَيّهَا النَّاس أَنتم الفقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّه هوَ الغَنِيّ الحَمِيد} ..
3) تحري ليلة القدر .. قال “ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” ..فلابد أن تستفرغ كل ما عندك من جهد وطاقة في هذه الليالي، لكي تستدرك كل ما فاتك ويصلِّح الله عز وجل أحوالك وتخرج بقلب طاهر نقي.
4) كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .. قال رسول الله “من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا” .. وصلاة الله على العبد ثناوؤه عليه في الملأ الأعلى، وصلاة الملائكة على العبد الإستغفار له.
5) عيادة المرضى .. قال رسول الله “ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة” .. فتظل الملائكة تدعو لك بالمغفرة والرحمة.
6) دعـــــاء الفراغ من الطعام .. قال رسول الله “من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه” .. فإذا قلته بصدق وأستشعرت إنه لا حول ولا قوة لك إلا بالله، صرت عبدًا شكورًا وزادك الله من فضله.
7) إحسان الوضوء وصلاة ركعتين بعده .. عن زيد بن خالد الجهني أن النبي قال “من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه” .. فتدعو الله أن يُطهِّر قلبك بالتوبة، كما يُطهِّر بدنك بالمـــاء .. وعسى أن تكون هاتين الركعتين سببًا لتوبة الله عليك ومغفرته لذنوبك، ولكن أصلِّح نيتك وأعزم على عدم العودة إلى الذنوب مرة أخرة.
8) حضور مجالس الذكر .. عن رسول الله قال“ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات” .
9) الذكر .. قال رسول الله ” ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر الله لك وإن كنت مغفورا لك قل لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله الحكيم الكريم لا إله إلا الله سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين” .. وهذا الذكر قد جمع جميع معاني التوحيد من الحب التام والذل التام لله جلَّ وعلا، فمن قاله بصدق وأستشعر معانيه غفر الله له.
وإياك أن تكون من المحرومين .. فالنبي قال ” إن جبريل عرض لي فقال: بَعُدَ من أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت: آمين” ..فإذا أدركت رمضان ولم تظفر بجائزة المغفرة، فقد صرت ممن دعا عليهم الرسول بالطرد والبُعد من رحمة الله عز وجل!!
التعليقات