التخطي إلى المحتوى
محتويات

التجدد في الفكر الإسلامي
التجدد في الفكر الإسلامي
التجدد في الفكر الإسلامي
التجدد في الفكر الإسلامي

اهلا وسهلا بكم فى منتديات حنين الحب
منتدي حنين الحب يقدم لكم كل جديد وحصرى
فى جميع الاسلاميات
للمزيد عن خطب دينية ومواضيع اسلامية
من هنا >>> المنتدي الاسلامي

التجدد في الفكر الإسلامي

التجديد في الفكر الإسلامي
________________________________________

(التجديد في الفكر الإسلامي)
الإسلام بين التجديد المطلوب والتبديل المرفوض

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد:

فقد روى أبو داود والبيهقي والحاكم في مستدركه، من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها)).

وروى مالك في موطئه، ومسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلّم على أهل البقيع، ثم قال: وددت لو أني رأيت إخواننا. إلى أن قال: ((ألا ليذادنَّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال. فأقول: ألا هلمّ، ألا هلمّ، فيقال: إنك لاتدري كم بدّلوا من بعدك، فأقول: فسحقاً فسحقاً فسحقاً…)).

إذن، فتجديد الدين مشروع ومأمور به. وهي واحدة من المهام التي يجند الله لها العلماء الربانيين، بعد أن ختمت الرسالات ببعثة خاتم الرسل والأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام… أما التبديل فتضييع للأمانة، وخيانة للعهد، وافتئات على الله عز وجل. ومن ثم فهو تورط في محرّم، وتعرض للطرد من رحمة الله وغفرانه.

ولكن فما الفرق بينهما؟.. ما الفرق بين تجديد الدين، والتبديل فيه؟

يتبين معنى التجديد جلياً، إن وقفنا وقفة دراية وتدبرّ عند كلمة الدين. من المعلوم أن الدين هو الدينونة، أي الخضوع المطلق للمعبود بالحق، وهو الله عز وجل. ونحن إنما نعني هنا بالدين الدين الحق الذي هو الإسلام. فالدين والدينونة وصف للإنسان والتجديد مسلّط عليه أي على الدين ذاته، لا على مبادئه وأحكامه.. وإنما يتمثل عمل من يبعثهم الله لتجديد الدين، إذن، في حمل الناس على تجديد بيعتهم لله، وعلى العود إلى الانضباط بهديه وأحكامه، بعد طول تفلت وشرود.. وعلى إصلاح ما تصدع من صرحه، وتمتين ما وهى من دعائمه، وسدّ ما تفتح من ثغرات في مفاهيمه، وتخريج أحكام المستجدّات من الحوادث والمصالح والأعراف، على كليات القواعد الفقهية، والمبادئ الأصولية وقواعد تفسير النصوص، دون أيّ عبث بها، ودون أي استجرار لها إلى ما تتطلبه الرغائب والأهواء، وحظوظ النفس ومغانم الدنيا.

وهذا ما يوضح سبب تسلّط التجديد، في نص الحديث، على الدين الذي هو الدينونة كما عرفنا، لا على أمر الدين الذي هو مبادئه وأحكامه، كما يرويه بعض الناس. وهو خطأ في كل من الرواية والدراية معاً… خطأ في الرواية، لأن الروايات كلها جاءت بلفظ ((من يجدد لها دينها)) وهو خطأ في الدراية، لأن تجديد أمر الدين لامعنى له إلا تجديد أحكامه ومبادئه. وهي تظلّ جديدة مهما تقادم عليها العهد، فلامعنى إذن لتجديدها إلا التبديل الذي يحلم به دعاة الحداثة، وهو ما قد نهى وحذّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولكن فلنعلم أن هذا التجديد الذي أناطه الله بالنخبة الصالحة من علماء هذه الأمة لايمكن أن يستقيم على نهج سويّ يرضي الله عز وجل، وأن يكون مصداقاً للتجديد الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا إن كان القائمون به ربانيين في دوافعهم وفي منطلقاتهم، لايقيمون لدنيا الناس كلها وزناً أمام الهدف الأقدس الذي يتمثل في بلوغ مرضاة الله وحده، لاتصدّهم عن التوجه إليه جنود الأهواء والمطامع، مهما تكاثرت وتألّقت وتسربت إليهم من هنا وهناك.. ينهضون بواجبهم القدسي هذا، ولسان حال كل منهم يناجي الله قائلاً: وعجلت إليك رب لترضى.

إذا أكرم الله الأمة بهذه النخبة من العلماء، فلسوف يكون تحديد الدين هو الحصن الذي يقيه من أطماع النيل منه والعبث به، ولسوف يكونون هم المعنيين بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعظم بها من شهادة.

وقد علمنا مما ذكره شراح الحديث أن كلمة ((من)) في قوله عليه الصلاة والسلام: ((من يجدّد لها دينها)) ليست كناية عن شخص واحد تجمعت فيه مزايا الرعاية والتجديد، كما قد ظن البعض، بل هي كناية عن كل العلماء الذين يصطفيهم الله تعالى في كل عصر لحراسة دينه وتجديد الإقبال إليه والإخلاص له.

وإني لأسأل الله ضارعاً أن يبوّئ أعضاء هذا المجلس الإسلامي الأعلى، هذا الشرف، وأن يقيمهم في طليعة المجددين لدينه، ويجعل زادهم المصاحب لهم إلى ذلك وقود الإخلاص لوجه الله، وحنين القلب إلى مرضاة الله، مع اللامبالاة التامة بأعراض هذه الدنيا الفانية.

* * *

هذا باختصار هو التجديد الذي هو جزء من وظائف الدين وأحكامه.

بوسعنا إذن أن نعلم أن ما وراء ذلك مما ينعته كثير من الباحثين والكاتبين في هذا العصر بالتجديد، ليس في الحقيقة إلاّ الاستبدال الذي حذر منه رسول الله وأوضح في الحديث الصحيح الذي ذكرته في صدر هذا البحث، عاقبة المروجين له والعاملين عليه يوم القيامة.

وأكثر الدعوات المهتاجة اليوم في عالمنا العربي والإسلامي، إنما هو إلى الاستبدال به لا إلى تجديده، وإنه غطّي ذلك بكلمات التجديد ونحوه…

والدافع المحرك إلى ذلك إنما هو مزيج من عوامل شتى، منها التبرم بالقديم لأنه قديم، ومنها التطلع إلى التفلت من ضوابط الدين وأحكامه، تحقيقاً لما تهفو إليه النفس من الرغائب والأهواء والتقلب في حمأتها على نحو ما هو جارٍ في المجتمعات الغربية الآسنة… ومنها الاستجابة للملاحقات الخفية التي تتسرب من أقطاب الغزو الفكري في الخارج إلى أقطاب من عملاء لهم في الداخل.. ومن اطلع منكم على التقرير الخفي الذي كتبه (وليم كليفورد) ورفعه إلى الدوائر الغربية لاسيما الأمريكية، المسؤولة عن متابعة حال الإسلام في بلاده، يعلم الكثير مما أشير إليه في هذه العجالة (1).

أما العامل الكلّي الكبير الذي تتفرع عنه هذه العوامل التي أشرت إليها، فهو عامل فكري اعتقادي، يتمثل في أن رجال هذه الدعوة إنما يفهمون الإسلام على أنه مجموعة أنظمة فوقية أنتجتها أدمغة عربية في غابر الأزمان، ثم طال عليها العهد واستنفدت كل ما كان فيها من مبررات عائدة إلى طبيعة ذلك العصر.

والحوار المجدي مع هؤلاء، والحالة هذه، لايتمثل في إقناعهم بأن الإسلام الذي تلك هي صورته وحقيقته في أذهانهم، صالح كما هو لكل عصر، إذ من المستحيل أن تقنع إنساناً بأن نظاماً أبدعه فكر إنسان مثله، يصلح أن يظل ثوباً سابغاً ومناسباً، لسلسلة الأجيال الإنسانية كلها، دون تبديل ولاتغيير.

وإنما الحوار المجدي أن ينبَّهوا إلى أن الإسلام، بمبادئه الاعتقادية وأنظمته السلوكية، إنما هو الرسالة التي شرّف الله بها عباده في هذه الحياة الدنيا، واصطفاها لهم، درايةً بمعرفة حقائق الكون، ومنهاجاً للتعامل مع الحياة، وأن ينبَّهوا إلى أن القرار الذي تلقيناه من القرآن قائلاً: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} ليس كلام بشر من الناس، وإنما هو خطاب الله الموجه وحياً إلى عباده.

فإن أدركوا ذلك واستقرت العقيدة الإيمانية حقيقةً في أذهانهم، فإن مشكلة الاستبدال باسم التجديد، وماتستجره من خداع، وماتستبطنه من قصود مخالفة لظاهر الشعارات والعبارات، تذوب وتزول، ولسوف نتلاقى معهم على منهج واحد، ظاهره وباطنه سواء.

وإن غاب عنهم هذا الإدراك في تلافيف الرغائب والأهواء والعصبيات، فلسوف يبقى السعي منهم دائباً مستمراً إلى تمييع حقائق الإسلام، وتبديد شرائعه، ليتحول تيّاره الفعال إلى رذاذ فضياع!.. وهذا ما كان ولايزال يأمله وليم كليفورد في تقريره الذي أشرت إليه والذي يعتمد فيه على عملاء أمناء له ولبطانته يتحركون فيما بيننا طبق مخططاتهم تحت غطاء الغيرة على تجديد الإسلام وتطويره!..

ولكن أفإن ظل هذا الإدراك غائباً عنهم في تلافيف تلك الرغائب، أفتنقطع مما بيننا وبينهم سبل المناقشة والحوار؟

إن سبل الحوار ستظل ممتدة بيننا وبين الآخرين أياً كانوا. وهذا هو المناخ الإسلامي الذي يتحرك داخله الدعاة الربانيون، إلى الله، في كل زمان ومكان.

إننا نقول لهم: إن إسلامنا الذي عرفناه وحياً منزلاً إلينا من لدن قيوم السماوات والأرض، والذي تتوهمونه مجموعة مواضعات وأنظمة بشرية، قد نبّه الرعيل الأول من المسلمين، من مبادئه وأحكامه، على قانون كان ولايزال نافذاً لا يشذّ ولايلحقه أيّ خلف.. يتلخص هذا القانون في أن من شأن الإسلام أن يبعث على التطور دون أن يتطور هو بحدّ ذاته.. أي فبمقدار ما يكون المسلمون أمناء على مبادئ الإسلام وأحكامه، لايعبثون بها ولايغيرون منها، فإنه يدفع بهم إلى مراقي التقدم والتطور دون توقف.. وبمقدار ما يتلاعبون به ويستبدلون بشرائعه وأحكامه، تنبعث فيهم عوامل التخلف والركود.

إن شأن الإسلام في هذاـ، شأن السيارة التي تحاول أن تنتقل بها إلى بلدة ما، بمقدار ما تكون أميناً على أجهزتها ودخائلها، دقيقاً في المحافظة عليها، تنقلك إلى الجهة التي تريدها وبالسرعة التي تتطلبها.. فإن استبدت بك الرعونة والنظرة السطحية، فاندفعت إلى دخائل السيارة تعبث بها، أملاً في أن تطورها وتتخلص من نظامها العتيق، فإنها – على العكس مما تتوقعه – لابدّ أن تخيّب آمالك وتتركك في مكانك، ومن ثم فلن تقطع بك أرضاً ولن توصلك إلى غاية.

أرايت إلى هذه السيارة، والشرط الذي لابدّ منه، لتنقلك إلى الآفاق التي تريد، كذلكم الإسلام!.. إنه المركبة التي تنقلك بأمر من الله من طور إلى طور أفضل منه، على مستوى كل من الفرد والمجتمع، ولكن بالشرط ذاته، وهو أن يبقى الإسلام على النهج الذي أقامه الديان جل جلاله، عليه. فمن أبى إلاّ التدخل في شرعة الله وأمره، فيما قد صنع وأحكم، فقد أعطب المركبة، وقضى على نفسه، من حيث يدري أو لايدري، بالتخلّف والجمود.

وآية هذا الذي أقول، ما هو معلوم منأن المسلمين تطوروا في عصورهم الخمسة الأولى (وهي العصور التي كان الحكم والفاعلية فيها للإسلام) أكثر مما تطوره المسلمون في عصورهم المتأخرة إلى هذا اليوم، دون أن يحوجهم ذلك إلى أن يطوروا شيئاً من أحكام الإسلام وشرائعه، بل كانت الضمانة التي لابدّ منها لتطورهم النوعي السريع، المحافظة على حقائق الإسلام وشرائعه، دون أي عبث أو استبدال بها.

وإليكم صورة سريعة لهذا التطور النوعي السريع الذي ضرب رقماً قياسياً في حياة ذلك الرعيل، بفضل مركبة الإسلام التي طورت دون أن تتطور.

ففي نطاق الحياة العمرانية والعادات الاجتماعية والأنشطة الاقتصادية ظهرت أنماط كثيرة جداً لم يكن لأصحاب رسول الله من قبلُ أي عهد بها. نذكر منها النماذج التالية: أخذ المسلمون يشيدون الأبنية باللبن والحجارة والجصّ بعد أن كانت تقام بالقصب وخوص النخل، وتدعم باللبن فيما بينها.. وأخذ الأمراء يبنون لأنفسهم قصوراً ذات حمى وأبهاء، لممارسة وظائف الحكم والنظر في مصالح المسلمين فيها.. وراح المهندسون يخططون لإقامة المدن وتشييدها. والكوفة والبصرة أبرز مثالين لذلك، ولم تكن في حياتهم من قبلُ هندسة ولا مهندسون (2).

نشطت الأعمال التجارية، بعد أن كانت التجارة محتقرة عند العرب، إذ كان يمارسها عنهم الأنباط والأعاجم (3).

ظهرت الصناعات بأنواعها المختلفة، وأخذت تنتشر بين الصحابة فمن بعدهم تباعاً، وقد كانت عملاً مهجوراً من العرب من قبل… فلقد أحدث العرب المسلمون الرحا الهوائية بالرياح المجمّعة المترددة في الصناديق أو من خلال الألواح المتعددة. وكان ذلك في خلافة عثمان (4) ومارسوا مهنة الصياغة بل نبغ فيهم من بذّ الصياغ الآخرين من الفرس والرومان. وانتشرت بينهم الفنون التشكيلية بأنواعها وتصوير ما ليس فيه روح.

تطورت صناعات الأطعمة وأساليب استحضارها، فاستعملوا دقيق الحواري، كانوا يجلبونه أولاً، ثم مالبثوا أن أتقنوا صنعه، وبرعوا في صنع أصناف الحلوى.

وفي نطاق المعارف والعلوم ظهرت المدونات واتسع نطاقها وانتشرت تباعاً حسب ظهور الحاجة إليها، وتسابق المسلمون إلى التقاط المعارف من الآخرين وأقبلوا إلى المدونات باللغات الأعجمية الأخرى، يترجمونها إلى العربية، ثم يعكفون على دراسة ما فيها من علوم وثقافات وفلسفات.

تلاحقت سائر هذه التطورات النوعية خلال أقلّ من قرن واحد، من بدء البعثة، في حياة أمة ما كانت تعرف للتطور معنى، وما كانت تتحرك من قاع جمودها وتخلفها، قبل الإسلام.. ثم إن الإسلام دفعها إلى كل هذه التطورات السريعة في سلّم التقدم، دون أن يتطور شيء من مبادئه وأحكامه.

إن بوسعنا جميعاً أن نعلم بأن مجتمعاتنا الإسلامية، في عصورها المتأخرة، لم تتطور صعداً معشار التطور الذي تطوره المسلمون في ذلك القرن الأول من عمر الدولة الإسلامية الفتية!.. وقد كان أولئك المسلمون مثال التقيد بمبادئه وأحكامه دون أي مسّ بها أو تغيير لها، والمسلمون في عصورهم المتأخرة هذه، غدوا مثال التلاعب بها والتبديل لها، بل والتبرم بها أيضاً.

فاعجب لمن ران عليهم الكسل ونال منهم الخمود والجمود، ثم طاب لهم أن يضيفوا إلى خيبتهم هذه الافتئات على الحقائق والوقائع البيّنة، فقالوا: إنها جريرة الإسلام، عاقهم عن التطور، وحبسهم عن اللحاق بركب الآخرين!..

* * *

حقيقة بالغة الأهمية يجب أن لا تغيب عن أفكارنا جميعاً، وعن أفكار المتبرمين بالإسلام تحت غطاء الدعوة إلى التطوير والحداثة، وهي أن سائر الأمم والمجتمعات الأخرى من دون العرب، أنفقوا العرق وبذلوا الجهود، في سبيل الوصول إلى ما ابتغوه من الحضارة والقوة والعلم، من خلال وسائلها المادية المعروفة، فصدقت في حقهم سنة الله الماضية في عباده، والقاضية بأنّ كل من سعى لنيل غاية وتحقيق مطلب، لابدّ أن يجني ثمار سعيه، من فرد أو مجتمع، بقطع النظر عن إيمانه وكفره، ألم يقل عز وجل {كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} .

وهكذا فإن الذي يسيل عليه لعاب عشاق الحداثة، من مظاهر القوة والعلم والغنى في المجتمعات الغربية، إنما هو ثمرة عرق بذلوه، وجهود أنفقوها. فكان حقاً لهم أن ينالوا ثمرات أتعابهم.. أما العرب الذين لم يكونوا قد أصبحوا أمة عربية بعد، فقد ظلّوا راقدين في مهاد جهالتهم وفقرهم وتفرقهم، راضين بكل ذلك. لم يبذلوا جهداً في سبيل هذا الذي سلكت المجتمعات الغربية السبيل إليه.

فلما أشرقت عليهم شمس الإسلام، وصدقوا مع الله في اعتناقه والتمسك به والإخلاص له، قفز بهم الإسلام خلال عشرين عاماً إلى قمة العلم بعد الجهل، والقوة بعد الضعف، والغنى بعد الفقر!.. كان ثمن ذلك كله في حياة العرب الإسلام.. وكان ثمنه في حياة المجتمعات الأخرى جهداً بذلوه ودأباً مارسوه.

فإذا تبرمت الأمة العربية اليوم بالإسلام واجتوته، تحت غطاء الدعوة إلى تحديثه وتطويره، فإن السنة الربانية الماضية في الناس دون شذوذ، تقضي بأن تعود هذه الأمة إلى الحالة التي كانت عليها، قبل أن ينتشلها الإسلام من وهدة التخلف والضياع إلى قمة الحضارة والإبداع.. وإن كان لهم آنذاك ماضٍ مشرِّف من جهد بذلوه، فليتلمسوه، وليعودوا إلى تراثهم الذي ينتظرهم منه.

وهذا هو الخطّ البياني الذي ينحدر إليه واقع هذه الأمة اليوم، منسجماً بدقة مع الخط البياني الذي يرسم تراجعها المطرد عن الالتزام السابق والصادق مع الإسلام عقيدة وشرعة وسلوكاً.

وليت أن هذا الواقع الذي تعاني منه أمتنا العربية هذه، يوقظنا إلى هذا القانون الإلهي، الذي أدركه عمر بن الخطاب وتعامل معه من خلال الخير الذي فيه، قائلاً: ((نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما طلبنا العزّ بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله)). ثم جئنا نحن فتعاملنا معه من خلال المغبّة التي فيه.. وليت أنا إذ لم نهتد بهذا الذي قاله عمر واعظاً وناصحاً تعلمناه مما قرره ابن خلدون، واقعاً، بل حقيقة اجتماعية. ألم يعقد في مقدمته فصلاً جعل عنوانه: ((فصل في أن العرب لا يصلح أمرهم إلا انضباط بالدين)).

* * *

وصفوة القول أن رحلة الأمة العربية إلى صعيد التقدم والمجد، إنما تمت بمركبة الإسلام وفاعليته، دون أي وسيلة أو فاعلية أخرى.. وتجديده مطلوب، غير أن تجديده إنما يكون بتحديد الإقبال إليه والإخلاص له والتمسك به، وربط سائر المستجدات التي يأتي بها العرف والزمن بما يشمله من قواعده وأحكامه.

أما العمل على تطويره وتحديثه، فمردّه إلى نتيجة واحدة لا ثاني لها، هي إعطاب هذه المركبة.. وهي الغاية الحقيقية التي يضمرها دعاة التطوير والتحديث، وهذا الـذي يسمونـــه ((القراءة الحديثة)).

ولنعلم أننا نحن العرب، ليست لنا من مركبة، تنقلنا إلى آمالنا في التقدم والوحدة واستعادة الحقوق، بعد مركبة الإسلام. هذا هو خيارنا اليوم، وتلك هي قصة رحلتنا من وهدة التخلف إلى صعيد التقدم بالأمس. وذلك هو القانون الرباني الذي يأخذ به عباده في كل زمان ومكان.

(1) وليم كليفورد كان ممثل هيئة الأمم المتحدة إلى سلسلة مؤتمرات المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة والمنبثقة عن الجامعة العربية في أواخر السبعينات، حضرها كليفورد مراقباً، ثم رفع تقريراً سرياً إلى هيئة الأمم المتحدة والدوائر المعنية، تحدث فيه عن خطر الإسلام والاحتمالات الكبيرة في عودة فاعليته، وشاء الله أن يقع هذا التقرير في يدي، وقد كتبت دراسة ضافية عنه في كتابي (على طريق العودة إلى الإسلام)..

(2) انظر البداية والنهاية لابن كثير 7/75 وما بعد.

(3) المدخل لابن الحاج: 4/105.

(4) التراتيب الإدارية لعبد الحي الكتاني.

الإسراء وتحقيق المجتمع الفاضل

الإسراء وتحقيق المجتمع الفاضل
ونحن في شهر الإسراء والمعراج نريد أن تصفح هذه الحادثة الجليلة وقراءتها بإمعان وتأنيّ فإن فيها الكثير والكثير مما لا نستطيع أن نحيط به في هذا الوقت القصير وقد رسم الإسراء والمعراج للمسلمين معالم المدينة الفاضلة والمجتمع المثالي النبيل الذي ننشده جميعاً ونتمنى أن نعيش فيه ولو أياماً قليلة وقد ظن أهل الكفر في عصرنا أن المجتمع الفاضل هو الذي يعمر بالبنايات ويشيد بالمنشآت وتقام أسسه على المال والثراء المادي والعلم العصري ونسوا أن ذلك كله لا يفيد إذا لم ينصلح الإنسان من داخله فهو الذي يعمر تلك البنايات وهو الذي يشيد تلك الإنشاءات وهو الذي يتولى تشغيل جميع هذه الهيئات فلو لم يبني المجتمع نفسه هذا الإنسان على المكارم العالية التي جاءت بها الأديان فإنه يفسد في لحظة ما بناه الإنسان في آلاف الأعوام ما الذي يقيم لنا عمارة لا تتأثر بالزلازل ولا بالكوارث؟ ليس نوع الأسمنت ولا صنف الحديد ولا الرسم الهندسي إلا إذا صاحبها الضمير النقي عند التنفيذ لكن لو أحضرنا جميع مستجهزات العصر ولو أحضرنا الذين بنوا ناطحات السحاب بمعداتهم وتجهيزاتهم والمواد التي استخدموها في بنائهم ولم نستطيع أن نجهز الإنسان بضمير يراقب الديان فسيشيد بناءاً واهياً لأنه ينهب ويسرق الأساس والمعدات
والتجهيزات أو لا يتقن العمل أو يجتهد في الغش وذلك أمر لا تصلحه قوانين الأرض وإنما قوانين خالق السماء والأرض مهما اجتهدنا في أي ميدان: مدارس مستشفيات جامعات مصانع هيئات وأقمناها على أحدث طراز عصري من الذي يُشغل الأجهزة؟ ومن الذي يدير الأعمال؟ إنهم هم أفراد هذا المجتمع وفيهم يقول الله {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}لم يقل يغيروا أنفسهم – لأن النفوس لا تتغير -ولكن يغيروا ما بها ولذلك عندما دعا حبيبه ومصطفاه ليفرض عليه وعلينا الصلاة كان أول شئ أمر به أن أمر ملائكته الكرام أن يوقظوه من النوم ويأخذوه إلى جوار الكعبة ويرقدوه على ظهره ثم شقّوا عن بطنه ويخرجوا قلبه ويضعوه في طست من ذهب ويخرجوا منه حظ الشيطان ويغسلوه بماء زمزم ثم جاءوا بطست مملوء إيماناً وحكمة وحشو قلبه به ثم ردوه إلى حاله وبدأ بعد ذلك حادث الإسراء وذلكم يا جماعة المؤمنين هو باب تحقيق المجتمع الفاضل ليس بالصلاة ولكن بتطهير القلوب من حظ الشيطان وما حظ الشيطان في بني الإنسان؟ الغش والمكر والخداع واللؤم والخيانة والخسة والندالة والتهور، والجبن والحيل والنميمة والغيبة والمشي بين الناس بالوقيعة والهمز واللمز والغمز كل ذلك وغيره حظ الشيطان الذي دعا الرحمن إلى تطهير القلب منه قبل أن ينضم الإنسان إلى صفوف أهل الإيمان ماذا قال الله في ذلك ؟ اسمعوا واعوا {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} إذا تم ذلك كيف يكون وصفهم {إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } لا تنفع قوة المؤمنين إذا كانت القلوب مملوءة بالغش والعيون يلوح منها الخيانة والفم يظهر عليه الابتسامة الخادعة الصفراء،والقلوب تفكر في الحيل للاستيلاء على قلوب الضعفاء ويصبح شرار المجتمع شوكة في جانب الشرفاء لأنهم يستطيعون إقلاق مضاجعهم بشئ لم يجنوه أو ألم لم يرتكبوه فإذا منع إنسان شريف إنساناً شريراً من حق ليس له ما أسرع ما يذهب ليأتي بتقرير طبي مزور يلصقه بالشريف ويقيم عليه تهمة لا يدري لها ولا عنها شيئاً ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه لأنه تقرير طبي ولا يستطيع أن يفعل مثل ما فعل لأن ضميره يأبى عليه ذلك ماذا دهانا جماعة المؤمنين؟ أصبنا في ضمائرنا بأمراض عضال لا يصلح معها إصلاح القوانين لكن لا صلاح لها إلا بإصلاح القلوب ومراقبتها لرب العالمين فإذا علم المرء المؤمن الذي يغدر أنه يوم القيامة يكون كما يقول النبي { يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ فَقِيلَ: هَـٰذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ} يمتنع عن الغدر خوفاً من الله لأنه ليس له هناك حيلة تنجيه ولا شئ يدفع عنه إلا صدقه وعمله الصالح لله وإذا علم الخائن أن رسول الله كان يقول { اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ } ويقول في شأنها {لا يزال العبد يخون إخوانه حتى تهبط به في نار جهنم} يمتنع عنها حياءاً من الله وخوفاً من عقاب الله وإذا سمع أنس بن مالك الصحابي الجليل يقول: كان رسول الله لا يتركنا في أي مجلس إلا إذا قال {لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ } علم أنه لا ينفع الإيمان ولو كان معه صلاة وصيام وزكاة وحج إلا إذا كان معه أمانة أمانة في العين وأمانة في الأذن فلا تطلع العين على العورات وأمانة في الأذن فلا تغير أو تزيد ما سمعته من كلمات لأهداف خبيثات وأمانة في اللسان فلا يقول ولا يشهد إلا لما يرضي الرحمن وأي شهادة تقولها بلسانك ولو تزكية لعبد من عباد الله إذا لم يكن يستحق هذه التزكية فتلك شهادة زور تستوجب لصاحبها الخلود في النار يوم النشور فقد قال النبي لرجل يمدح أخاه بما ليس فيه كما نرى في زماننا من رجوع البعض إلى
قاموس الألفاظ القديمة من الباشاوية والباكوية وغيرها ونقولها لمن يستحقها أو لا يستحقها فقال له { وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ } ثم قال لهم مبيناً ماذا يفعلون لهؤلاء {احثوا التراب في وجوه المداحين} أي الذين يثنون على الناس في أي موضع بقلمهم أو بلسانهم أو بأي أمر من أمورهم وليس فيهم فقد اعتبرهم دين الله وشريعة الله يشهدون شهادة زور يحاسبون عليها يوم يلقى المرء الله أخلاق الإيمان هي الترجمة العملية لمجتمع المدينة الفاضلة فقد رأى النبي بعد هذه الحادثة – حادثة شق الصدر – الأخلاق التي يحبها الله في صورة طيبة يفرح بها المؤمنون والمؤمنات والأخلاق التي يبغضها الله كالزنا وأكل مال اليتيم ظلماً وأكل أموال الناس بالربا وغيرها في صورة قبيحة منفرة لماذا؟ حتى نعلم علم اليقين أن صلاح المجتمع بالبعد عن الأخلاق الخبيثة التي رآها في رحلة الإسراء والمعراج والتخلق بالأخلاق الطيبة التي رآها في رحلة الإسراء والمعراج فإذا فعلنا ذلك واجتمعنا في بيت الله كما اجتمع النبي مع الأنقياء من عباد الله – أنبياء الله ورسل الله وملائكة الله – وتقدم بهم للصلاة فأعلمنا أنه لا تنفع الصلاة إلا إذا اجتمعنا جميعاً في بيت الله كما اجتمع النبي مع أنبياء الله ورسل الله وملائكة الله على النقاء والصفاء والطهارة لله قال صلى الله عليه وسلم {الصَّلاَةُ مِكْيَالٌ مَنْ أَوْفى بِهِ وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لِلْمُطَففِينَ} وقد قال أيضاً قال الله تعالى في حديثه القدسي {إِنَّمَا أَتَقَبَّلُ الصَّلاةَ مِمَّنْ تَوَاضَعَ بِهَا لِعَظَمَتِي ولَمْ يَسْتَطِلْ على خَلْقِي ولَمْ يَبِتْ مُصِرّاً على مَعْصِيَتِي وقَطَعَ نَهَارَهُ في ذِكْرِي وَرَحِمَ المِسْكِينَ وابنَ السَّبِيلِ وأَلارْمَلَةَ ورَحِمَ المُصَابَ ذَلِكَ نُورُهُ كَنُورِ الشَّمْسِ أَكْلأُهُ بِعِزَّتِي وأَسْتَحْفِظُهُ مَلائِكَتِي أَجْعَلُ لَهُ في الظُّلْمَةِ نُوراً وفي الجِهَالَةِ حُلْماً ومِثْلُهُ في خَلْقيِ كَمَثَلِ الفِرْدَوْسِ في الجَنَّةِ} أمر آخر أنبه نفسي وإخواني إليه إذا كان الله أحيا أرواح الأنبياء والمرسلين وأنزل الملائكة المقربين أجمعين حتى يؤدوا
صلاة الجماعة مع رسول الله فهذا بيان لنا في أهمية الجماعة في بيت الله فقد تفشى في زماننا شئ من نفوسنا أو وساوس شيطاننا جعلنا لا نؤدي الجماعة إلا يوم الجمعة أو في رمضان وبين ذلك نؤديها في بيوتنا مع أن نبيكم قال {لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بالصَّلاَةِ فَتُقَامُ ثُمَّ آمُرُ رَجُلاً فَيُصَلِّي بالنَّاسِ ثُمَّ انْطَلِقُ مَعِي بِرجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ فأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوْتَهُمْ بالنَّارِ} همّ بأن يحرق بيوت الذين لا يؤدون الصلاة جماعة بغير عذر شرعي في بيت الله لماذا؟ لأهميتها لي ولك يكفي أنها يقول فيها {صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةِ الْفَذِّ – والفذ هو الرجل الذي ليس له نظير في عبادة الله – بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً} { قالوا: وما الدرجة يا رسول الله؟ قال الدرجة في الجنة كما بين السماء والأرض } ويكفي أن صلاة الجماعة مقبولة على الدوام فلو صليت بمفردك لا يقبل الله من صلاتك إلا الجزء الذي حضر فيه قلبك وخشع لله فيه قال النبي{أَنَّ الرَّجُل لَيُصلِّي الصَّلاةَ، وَلَعَلَّهُ لا يَكُونُ لَهُ مِنْهَا إِلا عُشْرُهَا أَوْ تُسْعُهَا أَوْ ثُمْنُهَا أَوْ سُبْعُهَا أَوْ سُدْسُهَا ولا يكتب للمرء من صلاته إلا ما عقل منها } وما الحل أيها وكلنا يعلم أن المشاكل لا تكثر إلا وقت الصلاة؟عليكم بالجماعة فإن الجماعة إذا كان فيهم رجل صالح يقبل الله صلاته ويقبل صلاة الجميع من أجله والجماعة كما ورد في الأثر إذا وصلت أربعين رجلاً لابد أن يكون فيها رجل صالح يحبه الله عرفناه أو لم نعرفه فصلاة الجماعة مقبولة على الدوام هذا إلى جانب أن الجماعة تستوجب شهادة المؤمنين يوم الزحام فإن المرء إذا تحير في أمره يوم القيامة ينذره الله ويقول له: ابحث عمن يشهد لك بالإيمان من الذي يشهد له؟ سألوا هذا السؤال للرسول فقال {إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ }
صحيح مسلم عن ابن عمر
سنن النسائي الصغرى عن أبى هريرة
رواه الطبرانى فى الكبير.
رواه البخارى وأحمد عن أبي بكرة
{ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ، أَنْ نَحْثُوَ، فِي وَجُوهِ الْمَدَّاحِينَ، التُّرَابَ} (رواه مسلم وأحمد عن أبى معمر)
جامع الأحاديث والمراسيل عن سلمان الفارسي.
رواه البزار.
سنن أبى داوود عن أبى هريرة.
صحيح البخارى عن عبد الله بن عمر.
رواه مسلم بلفظ { مَا بَيْنَ كُل دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}
صحيح ابن حبان وسنن البيهقى الكبرى عن عبد الله بن عنمة
رواه أحمد والترمذي والدارمى وابن ماجة عن أبى سعيد.
منقول من كتاب
الخطب الإلهامية_مناسبات_ج3_رجب والإسراء والمعراج

حديث القرآن عن الإسراء

التجدد في الفكر الإسلامي
التجدد في الفكر الإسلامي
حديث القرآن عن الإسراء
أخذت أتأمل في العبارات الموجزة التي وصف الله بها رحلة الإسراء والمعراج فاحترت وتعجبت لأن هذه البرقية القصيرة التي لا تزيد عن سطر ونصف جمعت فأوعت جمعت كل شئ يتعلق بهذه الرحلة سواء عن صاحبها أو ما دار من الخلاف بين المختلفين من بعده هل كان بالروح أو بالجسم أو بهما معاً؟وسواء فيما يتعلق بكيفية رؤيته لهذه الحقائق في هذه البرهة من الزمان كل شئ يتعلق بهذه الرحلة المباركة ذكرته هذه الكلمات القصيرة {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فأول شُبهة يعترض عليها أصحاب العقول وردّدها المستشرقون فيما بيننا لأنهم يحكمون بعقولهم في الأشياء ولا يدرون أن العقل الذي يحكمون به لا يعلمون عنه إلى يومنا هذا قليلاً ولا كثيراً أين العقل؟وكيف يعمل العقل؟وكيف تُخزّن المعلومات في العقل؟ وكيف تُستحضر الصور من العقل؟ والمناظر والألفاظ المصاحبة لها من العقل؟ لا يعرفون حتى يومنا هذا لا قليلاً ولا كثيراً عن هذا الأمر عرفوا المخ وهو الذي يُسيّر الجهاز العصبي في جسم الإنسان لكن العقل بما فيه من ذاكرة وما فيه من حافظة وما فيه من قوة خيال وما فيه من قوة تصور وما فيه من إدراك أين هو؟ لا يعلمون ولن يعلموا إلا إذا علَّمهم الله وكاشفهم ببعض ما فيه فإذا كنا لا نعلم شيئاً قليلاً أو كثيراً عن العقل فكيف نحكّم العقل فيمن صنعه؟ وكيف نحكم بهذا العقل على من خلقه؟ وكيف نجعله حاكماً على من أوجده؟ إن هذا لهو الضلال البعيد الذي وقع فيه الكافرون وأرادوا أن يرددوه بيننا جماعة المؤمنين ولكن الله يحفظ عباده المؤمنين من الزيغ لأنهم يقولون في كل وقت وحين{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}فبدأ الله العبارة بكلمة سبحان الذي أسرى أي نزّهوا الذي أسرى عن الحركات وعن الحيطات وعن الجهات يعني إياكم أن يخطر ببالكم أن الله فوق سبع سموات وأن محمداً صلى الله عليه وسلم وصل إلى مكان فيه الله !! تعالى الله عن هذا الأمر وتنزه عن هذا الوصف فإن الله موجود في كل الجهات ومحيط بكل الأزمنة والأمكنة ورسول الله كان يراه وهو على بطحاء مكة كما رآه في قاب قوسين أو أدنى وإنما المطلوب في هذه الرحلة أن يصل الحبيب إلى مقام في القرب من الله لم يصل إليه عبدٌ من عبيد الله الذين اجتباهم الله واصطفاهم الله هذا هو المراد وليس معنى ذلك أن الله فوق فإنه فوق الفوقية وإنه تحت التحتية وإنه في أيمن اليمين وإنه في أيسر اليسار، وإنه أمام كل أمام وخلف كل خلف بل إنه أقرب إلى كل إنسان من حبل وريد الإنسان فنسب الله الإسراء إلى ذاته لنعلم أن الذي أسرى بعبده ومصطفاه، هو الله وما دام الله هو الذي أسرى فلا عجب لأن قدرة الله صالحة لكل شئ وتصنع كل أمر بسر قوله سبحانه {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} انتهى العجب لأن الرحلة نسبت إلى الله هل كان بالروح أو بالجسم؟ كلام أثار جدلاً كثيراً ردده الكافرون وصدروه إلى جماعة المؤمنين والله أجاب عنه بألطف عبارة وإشارة فقد قال {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} وكلمة عبد معناها جسم فيه روح وفيه عقل وفيه قلب وفيه كل الحقائق التي فينا الآن إما إذا خرجت الروح من الجسم نسميه نسمة وإذا كان الإنسان روح بلا جسم نسميها نسمة (نسمة يعني روح بلا جسم) ولذا وجد النبي في السماء الأولى آدم وعن يمينه نسمة يعني أرواح لم تخلق بعد وعن يساره نسمة يعني أرواح لم تظهر إلى الوجود بعد فإذا نظر إلى من على يمينه ضحك وإذا رأى من على يساره بكى قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه أرواح بني آدم ونسمهم فإذا نظر إلى أهل اليمين ضحك وفرح وإذا نظر إلى أهل الشمال بكى وحزن فالروح بمفردها نسميها نسمة ولا تظهر بالعين المجردة ولا نستطيع أن نجالسها ولا أن نحادثها ولا أن نلامسها ولا أن نصنع معها كما نصنع مع بعضنا الآن فلما قال الله{أَسْرَى بِعَبْدِهِ} كان معنى ذلك أنه بالروح والجسد هذا هو سر إعجاز هذه الرحلة وإلا فلو رأى إنسان في منامه فيما يرى النائم أنه لفّ العوالم كلها وشاهد كل ما فيها من عجائب صنع الله ومن آيات قدرة الله هل نكذّبه؟ هل نعترض عليه؟ لا أحد يعترض عليه ولا يكذبه لأنه رآه في المنام أما اعتراض الكفار عندما أخبرهم أنه ذهب بروحه وجسده ورجع ولذا قالوا له تغْدوا إلى بيت المقدس وترجع في أقل من لمح البصر ونحن نضرب أكباد الإبل إليه شهراً ذهاباً وشهراً إياباً ولم يخبرهم بالمعراج بعد وإنما أخبرهم بالإسراء فقط في البداية علهّم يصدقوه وعلهّم يسلّموا لكنهم لم يسلموا وهنا أظهر لهم بعض الآيات الحسية التي تدل على صدقه لقد سألوه عن وصف البيت – وقد دخله ولكن لم يشاهده من الخارج – فرفعه الله إليه على يد جبريل وأخذ يديره حتى يصف لهم الأبواب باباً باباً والنوافذ نافذة نافذة وهم مع ذلك أعماهم الله، فلم يصدقه إلا الصديق ثم قال لهم إن إبلكم كانت في مكان كذا وقد شربت مما معهم من الماء وهل تشرب الروح الماء؟ إن الذي يشرب هو هذا الجسد ولما رجعت هذه الإبل أخبروهم قالوا: نعم كان معنا ماءاً في جَرّة وعندما كشفناها وجدنا الماء الذي بها قد نفد ولم نجد حولها ماءاً يدل على أنه قد سُكب فاحترنا من الذي شربه؟ وكان الذي شربه هو رسول الله ثم هذا البراق الذي ركبه وهل الروح تركب؟ إن الروح الأمين وهو جبريل كان يهبط من فوق سدرة المنتهى إلى الأرض ويصعد في أقل من لمح البصر لا يعترضه شئ ولا يمنعه شئ وإنما الركوب يكون لهذا الجسم فهو الذي يحتاج إلى يركبه فدل الله بهذه الكلمة الموجزة أن هذا العبد وهو الرسول أخذه الله بروحه وجسمه ليطلعه على ملأه الأعلى وعلى عوالمه الظاهرة والخفية حكمة من الله لا تتجلى إلا للقلوب التقية النقية { أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} ولو لم يقل الله كلمة ليلاً لظن البعض أن الإسراء تحقق في أسبوع أو في شهر أو في أقرب من هذا أو أقل لكن كلمة ليلاً تفيد أنه ذهب في هذه الليلة ورجع فيها لأن تنكير هذه الكلمة يدل على أنه ليل واحد فالليل الذي ذهب فيه هو الليل الذي رجع فيه والأمر كله تم في بعض من هذه الليلة الواحدة بنص كلام الله ماذا رأى؟{لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} الآيات التي في الملك والآيات التي في بيت المقدس والآيات التي في السموات والآيات التي في العرش والآيات التي في الكرسي والآيات التي في الجنة والآيات التي في النار والآيات التي في كل العوالم داخلة في قول الله {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}وهنا تتعجب العقول كيف ذهب إلى بيت المقدس ثم صعد إلى السموات سماءاً تلو سماء وما بين السماء والأرض بقدر سفر خمسمائة عام وبين كل سماء والأخرى قدر سفر خمسمائة عام وعرض كل سماء قدر سفر خمسمائة عام كيف ذهب إلى كل هذه الأماكن والجهات وما بينها وشاهد كل ما في عوالم الجنات ورجع وفراشه الذي كان ينام عليه لم يبرد بعد بل ظل دافئاً كأنه لم يفارقه إلا لحظة قصيرة إن الإنسان منا لو استيقظ من ليلة وذهب إلى المرحاض ليقضي حاجته وأطال بعض الوقت يرجع فيجد مكانه في الفراش وقد برد لأنه لا يستمر دافئاً إلا للحظات قليلة وحتى لا نتعجل قال الله {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} يعني { كنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا } فكان في هذا الوقت يبصر بنور الله ويسمع بنور سمع الله ويتكلم مع كل هذه الحقائق لأنه كلم جميع الأنبياء والمرسلين وكل نبي له لغة كلغة قومه وتكلّم مع جميع أصناف الملائكة ولكل صنف منهم لغة مخصوصة علمها لهم الله بل تكلم مع الحقائق العالية مع العرش ومع الكرسي ومع الجنات بلغاتها كيف كان ذلك؟ إن الله أعطاه نوراً من نوره في بصره فجعله يبصر ببصر الله وأعطاه نوراً من عنده في سمعه فصار يسمع كل هذه الأصوات في مختلف الجهات بسمع الله وأعطاه نوراً من عنده في لسانه فصار يتكلم مع الجميع في وقت واحد على اختلاف لغاتهم ولهجاتهم وهذا أمرٌ لا يعجب له المؤمن لأن الله يقول في الحديث القدسي لنا معشر المؤمنين فضلاً عن الأنبياء والمرسلين {ومَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَـيَّ بالنوافلِ حَتَّـى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كنتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ويَدَهُ الَّتِـي يَبْطُشُ بِهَا ورِجْلَهُ الَّتِـي يَـمْشِي بِهَا وَلَئِنْ سَأَلَنِـي عَبْدِي أَعْطَيْتُهُ ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِـي لأُعِيذَنَّهُ} فإذا كان هذا يتفضل به الله على عباد الله المؤمنين العاديين فما بالكم بسيد الأولين والآخرين؟فلو جمعت وسائل الإعلام في العالم كله بمختلف أجهزتها وما معها من وسائل تكنولوجية وقوى عصرية على أن ترسل برقية تشرح فيها هذه الرحلة بمثل هذه الكلمات النورانية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، لكنه صنع الله وأمر الله يحكي هذه القصة الغريبة العجيبة ويرد على كل ما دار في أذهان المؤمنين وغيرهم بكلمات قصيرة وألفاظ يسيرة وهذا إعجاز القرآن الذي نزل به الحنّان المنّان على النبي العدنان ونريد أن نطالع قبساً من أسرار هذه القصة بتدبر وتفكر فإن فيها الشفاء لكثير من أمراضنا الاجتماعية وفيها الدواء لكثير من مشاكلنا النفسية والعائلية وفيها الحل الأمثل للقضاء على ما نحن فيه من نكد العيش ومن هموم الأمراض ومن تعب الأولاد ومن سلوك الأفراد كل هذه الأشياء دواؤها ذكره سيد الأنبياء في هذه الرحلة المباركة ودعونا نذكر مثالاً واحداً ولا نطيل عليكم لو اتبعناه لسعدنا جميعاً في هذه الحياة فقد قال النبي {رأيت جُحْرٍاً صَغِيرٍاً يَخْرُجُ مِنْهُ ثَوْرٌ عَظِيمٌ فَيُرِيدُ الثَّوَرُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ حَيْث خَرَجَ فَلاَ يَسْتَطِيعُ قلت: مَا هذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هذَا الرَّجُلُ يَتَكَلّمُ بِالْكَلِمَةِ الْعَظِيمَةِ فَيَنْدَمُ عَلَيْهَا فَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا فَلاَ يَسْتَطِيعُ} كل مشاكلنا سببها هذه الكلمة فلو استطاع الإنسان المسلم أن يمسك لسانه إلا عما ينفعه فلا يخرج منه القبيح ولا يخرج منه السبّ ولا الشتم ولا اللعن ولا الغيبة ولا النميمة ولا الكذب ولا قول الزور ماذا يكون حالنا في مجتمعنا؟إن المحاكم والله ستُغلق أبوابها في ذلك الحين لأن المشاكل كلها بدايتها كلمة. كلمة يقولها إنسان تُحرك إنساناً آخر فيرد عليه بالمثل ثم يتطاول الأمر فتمتد الأيدي ثم يتطاول الأمر فتظهر الأسلحة ثم يكون القتل أو الجرح وتكون القضية وتكون النيابة وتكون المحاكمات ما أغنانا عن هذا كله لو أمسكنا بألسنتنا حتى لا يحدث هذا بيننا ربما يكون أفراد الأسرة جالسين في هناءة بال وفي صفاء حال وواحد منهم يقول كلمة واحدة تعكر هذا الصفو بل تقلب البيت رأساً على عقب كلمة من غير موضعها أو كلمة في غير محلها لكن لو التزمنا بهذه الأوامر الإلهية وكنا كما قال الله {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} فالمؤمنون هداهم الله إلى القول الطيب فلا يقولون إلا الكلام الحسن لأن المؤمن لا ينطق بالكلمة إلا قبل أن يفكر فيها ويتدبر فيها، فإذا كانت له وفي كفة حسناته أخرجها وإذا كانت ستصير عليه وفي كفة سيئاته منعها من الخروج قال الحبيب {رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً قَالَ خَيْرَاً فَغَنِمَ أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ} وكم من كلمات رفعت أناساً إلى أعلى الدرجات إذا كانت هذه الكلمات لرفع الروح المعنوية وللحث على هذه المنازل العلية وكم من كلمات هزّت كيان بشر وجعلتهم يتعرضون للجنون أو يتعرضون للصرع أو يتعرضون للأمراض النفسية من كلمة واحدة.
جراحات السنان لها التئام ولا يلتئم ما جرح اللسان
وَقْع الكلام أشد على الإنسان من وقع السهام فلو أمسك المؤمنون بألسنتهم لطابت حياتهم ولسعدوا في معيشتهم ولصاروا والخيرات تغمرهم من جميع النواحي لأن الله جعل مجتمع المؤمنين مجتمع الكلمة الطيبة مجتمع الكلمة الصالحة أما الكلمة الخبيثة والكلمة السيئة فهي في مجتمع الكافرين وفي مجتمع الجاحدين وفي مجتمع المنكرين لا تصل عدواها للمؤمنين إلا إذا تهاونوا بأوامر هذا الدين المتين، وما داموا متمسكين بأوامر هذا الدين أسرهم ونساؤهم وأولادهم حتى يروا ما في هذه السيرة العطرة وما في هذه الحادثة الكريمة من عبر وعظات لعّلها تكون نجاة لنا من أهوال هذه الحياة الدنيا وقد سبقنا المستشرقون إلى هذا الأمر فقد أخذوا منها ونهلوا وأعدوا ووضعوا كتباً أبرزتها وسائل الإعلام في العالم كله فبعضهم كتب كتاباً سماه (كيف تكتسب صديقاً) ووزّع هذا الكتاب ووزع منه في الطبعة الواحدة ما يزيد عن 3 ملايين نسخة وبعد الاطلاع على ما فيه وجدنا أن كل ما فيه هو نسخة من أحاديث رسول الله ومن تفسير آيات الله أخذها الكاتب الأمريكي ونسبها إلى نفسه على أنه هو المبتكر لها والمؤلف لها وعلى أنه هو الذي يضع أصولاً جديدة للصداقات وتكوين الأصدقاء وهكذا الأمر فكل أمورهم قد أخذوها من الإسلام غير أنهم غيرّوا المسمى ونسبوها لأنفسهم فعلينا جماعة المسلمين أن نرجع إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله ففيه الخير لنا في هذه الحياة والسعادة لنا عند لقاء الله نرجو الله أن يصلح أحوالنا وأن يفقهنا في ديننا، وأن يلهمنا رشدنا
رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن عثمان بن كرامة عن أبي هريرة رواه الطبراني في الكبير.
عن أبي هريرة في الفتح الكبير وصحيح البخاري.
رواه البخاري.
في الزهد عن خالد بن أبي عمران مرسلاً في الفتح الكبير وجامع الأحاديث
منقول من كتاب
الخطب الإلهامية_مناسبات_ج3_رجب والإسراء والمعراج

سر ابتلاء المؤمنين

سر ابتلاء المؤمنين
ونحن في أيام الإسراء والمعراج سنتناول سوياً حكمة الإسراء والمعراج التي نحتاجها جميعاً الآن في حياتنا لنستعين بها على أداء أحكام ديننا ونتعاون بها على أداء ما كلّفنا به ربنا حتى نخرج من الدنيا وقد نلنا رضا الله وحُزْنا ما نبغيه من الجنة التي أعدها الله للصالحين من عباد الله إن الأمر الذي سنتحدث فيه هو الأسوة الحسنة التي قال لنا فيها الله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } إن كثيراً من المسلمين الآن الذين يُظهرون شعائر الإسلام ويتمسكون بهدي المصطفى في تعاملهم بين الأنام يتعرضون لبعض المشاق في أعمالهم ولبعض العَنَت في بيوتهم ومع جيرانهم والبعض منهم قد يُسئ الظن والعياذ بالله من الله ويقول بلسان حاله وإن لم ينطق بذلك لسانه يا ربَّ أنا مؤمن بك ومُصدق بكتابك ومتبع لنبيك وأمشي على نهج قرآنك وأنفّذ تعاليم شريعتك فلماذا لا تضر الذي يضرني؟ ولماذا لا تكيد الذي يكيدني؟ ولماذا لا تتولى قهر من عاداني وحسدني؟ولا يزال يقول حتى يقول لقد تخليت عني وتركتني وهذا أمرٌ يحدث لكثير من الناس إذا تعرضوا لبعض المشاق في حياتهم أو لبعض المتاعب في تعاملاتهم في العمل أو في البيت أو مع الجيران أو مع الأهل والأقارب أو مع التجار في الأسواق وغيرهم والله لم ينسنا طرفة عين ولا أقل ولكنه قال لنا ولمن قبلنا ولمن بعدنا الإيمان لابد له من امتحان حتى يثبت للرحمن صدق دعوى الإيمان فيبدو للذي يتعرض للامتحان إما أن يصبر على أمر الله ويرضى بما قدّره مولاه وإذا فعل ذلك جاءته النجدة والإغاثة من الله وجاءه العون من ملائكة الله وفرّج الله عنه كل كرب وقهر أعداءه، ولكن بعد أن يرضى بما قدّره مولاه. أما الذي يتعجل الأمور ويريد أن تسير الأكوان على وفق هواه ويظن أنه ما دام يعبد الله فلابد أن يكون الخلق جميعاً طوع أمره ورهن إشارته فهذا غافلٌ عن حكمة الله في امتحان أهل الإيمان بالله هذا أكرم رجل خلقه الله على الله وأحب حبيب إلى الله بين عباد الله ناصبه أهله جميعاً العداء وحبسوه بين جبلين هو ومن آمن به ثلاث سنوات لا يطعمونهم ولا يبيعون لهم ولا يشترون منهم ولا يزوجونهم ولا يتزوجون منهم حتى وصل الأمر إلى الغاية القصوى من البؤس والضرّ له صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه ولم يكتفوا بذلك بل أخذوا يعذبون أصحابه بشتى أصناف العذاب ويتفنّون لهم في كل ما يخطر على بالهم من أنواع العقاب وعندما ذهب إليه بعضهم ليشتكي غضب رسول الله وقال لهم { إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَـيُؤْخَذُ الرجلُ فَـيُحْفَرُ لَهُ الـحُفْرَةَ فَـيُوضَعُ الـمِنْشَارُ علـى رَأْسِهِ فَـيُشَقُّ باثنتـينِ ما يَصْرِفُهُ عن دينِهِ أَوْ يُـمْشَطُ بأمشاطِ الـحديدِ ما بـينَ عَصَبِهِ وَلَـحْمِهِ ما يَصْرِفُهُ عنْ دِينِهِ } لا يغيره ذلك عن عقيدته في الله ولا يحوله عن الإيمان بالله ولم يزالون به حتى اضطروه إلى الخروج من بينهم فذهب إلى الطائف وظنَّ من ظنَّ أن الأمر سيتحول وأن عناية الله ستلاحقه وسيجد من يستقبلونه بالعناق والأحضان معلنين الإيمان به ومصدقين بالقرآن لكن الأمر كان بخلاف ذلك فقد سلّطوا عليه صبيانهم وأغروا به عبيدهم يرمونه بالحجارة ويسّبونه بأفظع الألفاظ ولا يزالون به حتى خرج من بلدهم صلوات الله وسلامه عليه ماذا فعل؟ تخلّى عنه الجميع ولكن باب القريب السميع مفتوح وما دام باب الله مفتوحاً فلا ييأس المؤمن من رحمة الله ولا يقنط من فرج الله لأن الله لو نظر إلى عبده طرفة عين برحمة وشفقة وحنان لبدّل عُسره إلى يسر وكربه إلى فرج وزال عنه الضرّ والبأساء وجعله من عباده السعداء فتوجه النبي إلى الله بعد أن يأس من نُصرة عباد الله وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً ماذا حدث؟ جاءه الفرج والنصر وجاءه الرضا وجاءه اليُسر من الله فجاءه الأمين جبريل وفرّحه بفضل الله العلي الكبير وأخذه إلى موضع مسجده الشريف وقال له: أبشر ها هنا دار هجرتك فإن الله سيحولك إلى هذا المكان وتجد فيه أنصاراً يعاونوك على نشر دين الرحمن ثم أخذه ليلتقي بإخوانه من الأنبياء والمرسلين ليتعرف منهم على ما لاقوه في دعوة الخلق إلى الله فوجد أنهم جميعاً قد لاقوا مثل ما لاقى لم يجد أحدهم الطريق مفروشاً بالورود ولم يجد أحدهم الناس على أحر من الجمر ينتظرونه بعد تلقي الوحي بل وجدوا العنت والضيق والشدة والكرب ولكنهم صبروا لأمر الله ففرّج الله عنهم كل ضائقة في هذه الحياة {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } فلنعلم جميعاً علم اليقين أن المخرج لنا أجمعين من كل ضائقة ومن كل شدة نتعرض لها في أجسامنا أو في حياتنا أو في آمالنا إنما هو الصبر الجميل الذي أمر الله به المؤمنين والمؤمنات { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} فمن صبر لأمر الله ولم يتحول ولم يتغير عن أحكام دين الله وعن تعاليم شرع الله فإن الله سينصره ولو بعد حين فالموظف الأمين الذي يريد من حوله أن يستدرجوه ليخون الأمانة أو ليقبل الرشوة عليه أن يصبر لأمر الله ولا يتحول عن دينه ولا يغير مبدأه أبداً أسوة بما فعل رسول الله وأصحابه الكرام والأنبياء والمرسلون أجمعون فإذا صبر وصدق في صبره فرَّج الله كربه وأزال الله عسره ونصره الله على أعدائه وقال في شأنهم وفي شأن أمثالهم مطمئنناً قلوبهم وقلوبنا {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فمن تعذر عليه مثلاً أن يبني حياته وحياة أولاده بالطريق المستقيم وبالهدى المحمدي القويم قد يغريه إخوانه التجار بغش البضاعة وغش الكيل والميزان وخداع المشترين بشتى الأساليب التي يخترعونها ويبتكرونها ليبتزون أموال الناس بها لأنهم يريدون أن يعلون في الأرض بطرفة عين فهل يستجيب لهم لا ولكنه إذا صبر لأمر الله ولم يغير طريقة التعامل التي هدانا إليها كتاب الله فإن الله سيعزّه بين القوم اللئام ويجعل له العزة في الدنيا والثواب يوم لقاء الملك العلام لأنه تمسك بأمر الله ولم يتحول عن الإيمان بالله ولم يغير المبادئ القويمة والأحكام الكريمة التي جاءته من عند الله وكذا المدرس الحكيم الذي يُرضي الله في عمله ولا ينتظر درساً بعد عمله إلا لمن كان محتاجاً إلى عِلْمه فإن الله يُعزُّه بين المتكالبين على الدروس الخصوصية وجعلوا حياتهم سعيراً فلا يبارك لهم في أولادهم ويجعل حياتهم جحيماً مع كثرة الأموال التي في حوزتهم ويبارك له في أولاده ويجعلهم في الدنيا مصلحين وفي الآخرة سعداء وناجين، لأنه تمسك بهدى رسول الله وهكذا الأمر يا إخواني في كل عمل وفي كل وظيفة وقد قال النبي {لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاس} وهؤلاء عليهم الصبر في امتحان الإيمان على الجهاد بتعاليم القرآن والعمل بسنة النبي العدنان فلا يغيرون ولا يُبدّلون حتى يدخلون في قول الله {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } وهؤلاء وعدهم الله ووعده لا يتخلّف {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} وما هي إلا لحظة صبر قصيرة يعقبها حياة عزة طويلة إعزازاً بنصر الله لعباد الله المؤمنين قال الحبيب {مَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي فَلَهُ أَجْرُ مِائَةِ شَهِيدٍ} وقال { إِني لَمُشْتَاقٌ إِلى إِخْوَاني، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا إِخْوَانُكَ؟ قَالَ: لاَ أَنْتُمْ أَصْحَابِي إِخْوَاني قَوْمٌ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرُوني عمل الواحد منهم بسبعين منكم قال: بسبعين منّا أو منهم يا رسول الله؟ قال: بل بسبعين منكم أنتم تجدون على الحق أعواناً وهم لا يجدون} اسمعوا إلى وصية الله ليّ ولكم تسعدوا وتفلحوا في حياتكم وتكونوا من السعداء بعد لقاء ربكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } لا يغرنكم كثرة الهالكين ولا يفسدنّ أمركم كثرة الجاحدين بنعمة رب العالمين فإن الدنيا إلى زوال وما من يوم إلا نُودّع فيه أناساً إلى الله ويخرج المرء منهم كما دخل الدنيا عارياً ليس معه إلا العمل الصالح الذي قدمه في هذه الحياة ومناد الله يقول له {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} فلا يرى معه شفيعاً ولا معيناً ولا مؤازراً ولا مساعداً إلا عمله الصالح ليس معه عشيرة عنه يدافعون ولا محامون بأمره يتصرفون لأن الكل قد تخلى عنه بعد أن صار في رحاب الله والمؤمن عندما يتذكر تلك الساعة يُحْسن العمل ويصلح شأن نفسه فعليك دائماً أن تتذكر أنك مسافر إلى الله {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} وأن هذا السفر ربما يكون الآن فربما تضع لقمة في فيك لا تُكمل مضغها وربما وأنت تسير في الطريق تقع ويحملونك إلى حيث لا أهل ولا رفيق وفي تلك الساعة ماذا أعددت؟ وماذا جهّزت للقاء الكريم ؟لن تستطيع البطن أن تشكرك ها هنا على ما أطعمتها من فنون الأطعمة وألوان المشروبات ولن يُقدم لك الجسم الشكر على أنك أنعمت عليه بالنوم هنا وبالسفر إلى هذه الجهات وتلكم المصايف وغيرها وإنما لا ينفع الإنسان إلا ما يقدمه للرحمن من طاعة وعبادة وحسن سلوك وصبر وإرادة لله فاجعلوا الموت منكم على بال وتذكروا دائماً أنكم عن الدنيا قريباً راحلون وإلى الله سائرون وعن الأهل والجميع راحلون ولن ينفعكم في هذا اليوم إلا ما أنتم له لله عاملون
عن خباب أخرجاه في الصحيح من حديث إسماعيل
عن أبي هريرة في مسند ابن حبان والإمام أحمد وعن ثوبان في سنن ابن ماجة.
عن أبي هريرة في مشكاة المصابيح.
عن أبي هريرة في صحيح ابن حبان وسنن النسائي ومسند أبي يعلى.
منقول من كتاب
الخطب الإلهامية_مناسبات_ج3_رجب والإسراء والمعراج

استغفر الله العظيم ، استغفر الله العظيم ، استغفر الله العظيم استغفا ر شهر رمضان
استغفر الله العظيم ، استغفر الله العظيم ، استغفر الله العظيم استغفا ر شهر رمضان
استغفر الله العظيم ، استغفر الله العظيم ، استغفر الله العظيم استغفا ر شهر رمضان
استغفر الله العظيم ، استغفر الله العظيم ، استغفر الله العظيم استغفا ر شهر رمضان

=======

استغفر الله العظيم . استغفر الله العظيم .استغفر الله العظيم
سبحان الله وبحمده استغفر الله واتوب اليه
سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفرلى
اللهم انى ظلمت نفسى ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا انت فاغفر لى مغفره من عندك وارحمنى انك انت الغفور الرحيم
اللهم
اغفر لى خطيئتى وجهلى واسرافى فى امرى وما انت اعلم به منى , اللهم اغفر
لى جدى وهزلى وخطئى وعمدى وكل ذلك عندى , اللهم اغفر لى ماقدمت وما اخرت
وما اسررت وما اعلنت وما انت اعلم به منى انت المقدم وانت المؤخر وانت على
كل شيئ قدير
اللهم اغفر لى وارحمنى واهدنى وعافنى وارزقنى
اللهم لك
اسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت واليك حاكمت فاغفر لى
ماقدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت انت المقدم وانت المؤخر لااله الا انت
اللهم
انى استغفرت من كل ذنب تبت اليك منه ثم عدت فيه واستغفرك من كل ما وعدتك
به من نفسى ثم لم اوف لك به واستغفرك من كل عمل اردت به وجهك الكريم
فخالطنى فيه غيرك واستغفرك من كل نعمه انعمت بها على فاستعنت بها على
معصيتك واستغفرك ياعالم الغيب و الشهاده من كل ذنب اتيته فى ضياء النهار او
سواد الليل فى ملأ اوخلاء او اسراً وعلانيه ياحليم …

ما يقال بعد تلاوة القران , ما يستحب بعد القران , القران

ما يقال بعد تلاوة القران , ما يستحب بعد القران , القران

ما يقال بعد تلاوة القران , ما يستحب بعد القران , القران

التجدد في الفكر الإسلامي
التجدد في الفكر الإسلاميالتجدد في الفكر الإسلامي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: فإنَّ إحياء السنن النبوية من أعظم القربات إلى الله، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا )) .
فإليكم أحبتي في الله، هذه السُّنة التي غفل عنها كثيرٌ من الناس:

التجدد في الفكر الإسلاميالتجدد في الفكر الإسلامي

يُسْتَحَبُّ بعد الانتهاء من تلاوة القرآن أن يُقال:

((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ،لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ)).

الدليل: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ : مَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسًا قَطُّ، وَلاَ تَلاَ قُرْآناً، وَلاَ صَلَّى صَلاَةً إِلاَّ خَتَمَ ذَلِكَ بِكَلِمَاتٍ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ مَا تَجْلِسُ مَجْلِساً، وَلاَ تَتْلُو قُرْآنًا، وَلاَ تُصَلِّي صَلاَةً إِلاَّ خَتَمْتَ بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ ؟
قَالَ: (( نَعَمْ، مَنْ قَالَ خَيْراً خُتِمَ لَهُ طَابَعٌ عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ، وَمَنْ قَالَ شَرّاً كُنَّ لَهُ كَفَّارَةً: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ))

القران , ما يقال بعد تلاوة القران , ما يستحب بعد الانتهاء من تلاوة القران

التجدد في الفكر الإسلاميالتجدد في الفكر الإسلامي
().

ولقد بَوَّب الإمامُ النسائي على هذا الحديث بقوله: .
ـــــــــــــــــ
() إسناده صحيح: أخرجه النسائي في “السنن الكبرى” (9/123/10067)، والطبراني في “الدعاء” (رقم 1912)، والسمعاني في “أدب الإملاء والاستملاء” (ص75)، وابن ناصر الدين في “خاتمة توضيح المشتبه” (9/282).
وقال الحافظ ابن حجر في “النكت” (2/733): ، وقال الشيخ الألباني في “الصحيحة” (7/495): ، وقال الشيخ مُقْبِل الوادعي في “الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين” (2/128):
التجدد في الفكر الإسلاميالتجدد في الفكر الإسلامي

دمتم بحفظ الرحمن

الأمن في القرآن, نعم على عباده , الامن والامان فى القران

الأمن في القرآن, نعم على عباده , الامن والامان فى القران

الأمن في القرآن

الأمن في القرآن

إن نعم الله على عباده كثيرة لا تحصى، ويمتن الله على خلقه بما شاء منها، ولا ريب أن ذكر النعمة المعينة في معرض الامتان لدليل على مكانة تلك النعمة، ولما لها من أهمية في حياة البشرية.
وقد أمتن الله على عباده بنعمة الأمن وذكرهم بذلك في العديد من آي القرآن العظيم في أكثر من موطن، نذكر شيئاً من ذلك على سبيل التمثيل.

لقد امتن الله على عباده بنعمة الأمن في غزوة أحد حيث ذكرهم بتلك النعمة في ذلك الموطن الصعب الذي احتاجوا فيه للراحة والطمأنينة.

قال تعالى: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم…} .

قال العلامة ابن كثير الشافعي- رخمه الله-: «يقول تعالى ممتناً على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة، وهو النعاس الذي غشيهم، وهم مُسْتَلئمون السلاح في حال همهم وغمهم، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان».

وقال عبدالرحمن بن سعدي –رحمه الله-: «ثمّ أنزل عليكم من بعد الغم» الذي أصابكم «أمنة نعاساً يعشى طائفة منكم»، ولا شك أن هذه رحمة بهم وإحسان وتثبيت لقلوبهم وزيادة طمأنينة؛ لأنّ الخائف لا يأتيه النعاس، لما في قلبه من الخوف، فإذا زال الخوف عن القلب أمكن أن يأتيه النعاس، وهذه الطائفة التي أنعم الله عليها بالنعاس، هم المؤمنون الذين ليس لهم إلا إقامة دين الله، ورضا الله ورسوله، ومصلحة إخوانهم المسلمين».

وقال -تعالى-: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}.

أي: الذين آمنوا بالله –تعالى- ولم يخلطوا إيمانهم بالشرك، فأولئك لهم الأمن من الخوف والعذاب، والمشقة، والشقاء، والهداية إلى الصراط المستقيم، فإن لم يخلطوا إيمانهم بشرك وظلم لا بشركٍ ولا بمعاصٍ، حصل لهم الأمن العام والهداية التامة وإن كانوا لم يخلطوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنّهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها، فهذا منطوق الآية، ومفهومها: أن الذين لم يحصل لهم الأمران لم يحصل لهم هداية ولا أمن، بل حظهم الضلال والشقاء.

ولقد ذكَّر الله الأمم بما مَنَّ من نعمة على أهل الحجر وهم قوم صالح، فمع ما أنعم الله به عليهم من نعمة المسكن والأمن ومع ذلك كذبوا المرسلين.

قال -تعالى-: {ولقد كذّب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين} .

فمعنى الآيات «وكانوا» من كثرة إنعام الله عليهم، «ينحتون من الجبال بيوتاً» من المخاوف مطمئنين في ديارهم، فلو شكروا النعمة وصدَّقوا نبيهم صالحاً
-عليه السلام-، لأدرَّ الله عليهم الأرزاق، ولأكرمهم بأنواع من الثواب العاجل والآجل . .».

وفي قصة موسى -عليه السلام- يبيّن الله كيف مَنَّ على موسى بالأمن وأذهب عنه الخوف لما أمره بأن يلقي عصاه، ليعلم أنها آية؛ وليستعد لتحدي سحرة فرعون.

فقال -تعالى- مخاطباً موسى {وأن ألْقِ عصاك فلمّا رآها تهتزُّ كأنّها جانٌّ ولّى مدبراً ولم يُعقّب يا موسى أقبل ولا تخف إنّك من الآمنين} .

فقد أمره الله –تعالى- بأن يُقْبِل ولا يكون خائفاً فقال له: «ولا تخف»، ولكن قد يُقبل وهو غير خائف، أي: يقبل مع احتمال عدم حصول الوقاية والأمن له، فبشره -سبحانه- بذلك فقال له: «إنك من الآمنين»، حينها ذهب الخوف والمحذور، وأقبل وقد ازداد إيمانه.

وامتنّ الله -تعالى- على قوم سبأ أو مملكة سبأ وأهلها بعديد من النعم منها: أمن الطريق بين القُرى والأماكن، مع وضوح الطريق برؤية القرى.

قال -تعالى-: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قُرىً ظاهرةً وقدّرنا فيها السّير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين} .

قال العلامة ابن كثير الدمشقي الشافعي -رحمه الله- في شرح هذه الآية: «يذكر –تعالى- ما كانوا فيه من الغِبْطة والنعمة، والعيش الهني والرغيد، والبلاد الرخية، والأماكن الآمنة والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض . . .».

فمعنى قوله –تعالى- {قرى ظاهرة} أي: بينة واضحة، يعرفها المسافرون، يقيلون في واحدة ويبيتون في أخرى.

وقوله -تعالى-: {سيروا فيها ليالي وأيّاماً آمنين}؛ أي: الأمن حاصل لهم في سيرهم ليلاً ونهاراً.

فتأمل نعمة الأمن، كيف يمتنّ الله بها على الخلق منذ القدم، حيث تسافر أنت وأهلك آمناً مطمئناً، بخلاف إذا ما ذهب الأمن، وتجمع مجموعة ممن يدعون الدعوة ونصر الدين في أماكن يرصدون فيها عامة الناس فيقتلونهم في الطرق، والحافلات لا يميزون الطفل من البالغ، ولا الذكر من الأنثى؛ لأجل تحقيق مطالبهم، فما ذنب الأبرياء؟!

ولقد مَنَّ الله –تعالى- على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بنعمة دخول المسجد الحرام وهو آمن مع أصحابه ، فتأمل هذه الآية {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين . . .} .

قوله: «آمنين» أي: آمنين في حال دخولكم.

فالله –سبحانه- لم يبشر نبيه بدخول المسجد الحرام وبفتح مكة فقط، مع أن هذه نعمة كبيرة لكن أضاف لهم بشرى أخرى مهمة، وهي نعمة الأمن، أي: تدخلون حال كونكم آمنين.

فإلى من يزعزعون الأمن في بلاد الحرمين ألم تطرق أسماعكم هذه الآية يوماً، فإن الحرمين وما يحيط بهما من أكثر الأماكن أمناً، هكذا ينبغي أن يكون الحال؛ لكي يقصد الناس مكة والمدينة بأمن وأمان، ويؤدون ركناً من أركان الدين وهو الحج بأمان، ويصلون في المسجد الحرام والمسجد النبوي بأمن وأمان، فالويل لمن يحرم الناس من هذه النعم، وينبغي الإلحاد في الحرم بالفساد، والقتل، والتفجير، والاغتيال.

بكاء القلوب , البكاء من خشية الله , عندما يبكى القلب

بكاء القلوب , البكاء من خشية الله , عندما يبكى القلب

بكاء القلوب , البكاء من خشية الله , عندما يبكى القلب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التجدد في الفكر الإسلاميالتجدد في الفكر الإسلامي

إنها حقيقة لا مراء فيها، فالبكاء من خشية الله تعالى يلين القلب ،ويذهب عنه أدرانه، قال يزيد بن ميسرة رحمه الله : ” البكاء من سبعة أشياء : البكاء من الفرح ، والبكاء من الحزن ، والفزع ، والرياء ، والوجع ، والشكر ، وبكاء من خشية الله تعالى ، فذلك الذي تُطفِئ الدمعة منه أمثال البحور من النار ! ” .

وقد مدح الله تعالى البكائين من خشيته، وأشاد بهم في كتابه الكريم: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا. ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا. ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) .

البكاء شيء غريزي:

نعم هذه هي الفطرة فالإنسان لا يملك دفع البكاء عن نفسه ، يقول الله تعالى: ( وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ) قال القرطبي في تفسيرها : ” أي : قضى أسباب الضحك والبكاء ، وقال عطاء بن أبي مسلم : يعني : أفرح وأحزن ؛ لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء…

أنواع البكاء:

لقد ذكر العلماء أن للبكاء أنواعا ومن هؤلاء الإمام ابن القيم رحمه تعالى إذ ذكر عشرة أنواع هي:

– بكاء الخوف والخشية .

-بكاء الرحمة والرقة .

– بكاء المحبة والشوق .

– بكاء الفرح والسرور .

– بكاء الجزع من ورود الألم وعدم احتماله .

– بكاء الحزن …. وفرقه عن بكاء الخوف : أن الأول -” الحزن ” – يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب وبكاء الخوف : يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك ، والفرق بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن أن دمعة السرور باردة والقلب فرحان ، ودمعة الحزن : حارة والقلب حزين ، ولهذا يقال لما يُفرح به هو ” قرة عين ” وأقرّ به عينه ، ولما يُحزن : هو سخينة العين ، وأسخن الله به عينه .

– بكاء الخور والضعف .

– بكاء النفاق وهو : أن تدمع العين والقلب قاس .

– البكاء المستعار والمستأجر عليه ، كبكاء النائحة بالأجرة فإنها كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها .

– بكاء الموافقة : فهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر فيبكي معهم ولا يدري لأي شيء يبكون.

فضل البكاء من خشية الله:

إن للبكاء من خشية الله فضلا عظيما ، فقد ذكر الله تعالى بعض أنبيائه وأثنى عليهم ثم عقب بقوله عنهم: ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ) .

وقال تعالى عن أهل الجنة : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ . فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ }

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال: ” لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ” .

وقالَ: ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ…”وفي آخره:” ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ” .

وقال ” عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله “.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين : قطرة من دموع خشية الله ، وقطرة دم تهراق في سبيل الله ، وأما الأثران : فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضة من فرائض الله “.وكان السلف يعرفون قيمة البكاء من خشية الله تعالى،فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول : ” لأن أدمع من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار ! ” .

وقال كعب الأحبار : لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهباً.

بكاء النبي صلى الله عليه وسلم:

عَن ابن مَسعودٍ – رضي اللَّه عنه – قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : ” اقْرَأْ علي القُرآنَ ” قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ، قالَ : ” إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي ” فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية : ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً ) قال ” حَسْبُكَ الآن ” فَالْتَفَتُّ إِليْهِ ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ .

ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يحفرون قبرا لدفن أحد المسلمين وقف على القبر وبكى ثم قال : ” أي إخواني، لمثل هذا فأعدوا ” .

أما عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير – رضي اللَّه عنه – فيقول : أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ .

وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله…” الحديث.

وقام ليلة يصلي فم يزل يبكي ، حتى بل حِجرهُ !

قالت عائشة : وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته !

قالت : ثم بكى حتى بل الأرض ! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي ، قال : يا رسول الله تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! قال : ” أفلا أكون عبداً شكورا ؟! لقد أنزلت علي الليلة آية ، ويل لم قرأها ولم يتفكر فيها ! (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ …) الآية.

بكاء الصحابة رضي الله عنهم:

لقد رأينا شيئا من بكائه صلى الله عليه وسلم وقد تعلم الصحابة رضي الله عنهم من نبيهم البكاء فعن أنس رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال : ” لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً ” ، فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين ، وفي رواية : بلغَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال : ” عرضت عليَّ الجنة والنار فلم أر كاليوم من الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً ” فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه غطوا رؤوسهم ولهم خنين ” . والخنين : هو البكاء مع غنّة .

و كان عثمان إذا وقف على قبر ؛ بكى حتى يبل لحيته ! فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟! فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إن القبر أول منزل من منازل الآخرة ، فإن نجا منه ، فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه ؛ فما بعده أشد منه ! ” قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما رأيت منظراً قط إلاّ القبر أفظع منه ! “.

وبكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه . فقيل له : ما يبكيك ؟! فقال : ” أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ، ولكن أبكي على بُعد سفري ، وقلة زادي ، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار ، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي !! ” .

وبكى معاذ رضي الله عنه بكاء شديدا فقيل له ما يبكيك ؟ قال : لأن الله عز وجل قبض قبضتين واحدة في الجنة والأخرى في النار ، فأنا لا أدري من أي الفريقين أكون .

وبكى الحسن فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : أخاف أن يطرحني الله غداً في النار ولا يبالي .

وعن تميم الداري رضى الله عنه أنه قرأ هذه الآية : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي .

وكان حذيفة رضي الله عنه يبكي بكاءً شديداً ، فقيل له : ما بكاؤك ؟ فقال : لا أدري على ما أقدم ، أعلى رضا أم على سخط ؟ .

وأُتي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يوما بطعامه فقال : قتل مصعب بن عمير وكان خيراً مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة ، وقتل حمزة – أو رجل آخر – خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة ، لقد خشيت أن يكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا ، ثم جعل يبكي .

وكان ابن مسعود يمشي فمَّر بالحدَّادين و قد أخرجوا حديداً من النار فقام ينظر إلى الحديد المذاب ويبكي . وكأنه رضي الله عنه تذكر النار وعذاب أهلها حين رأى هذا المشهد .

وخطب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه مرة الناس بالبصرة : فذكر في خطبته النار ، فبكى حتى سقطت دموعه على المنبر وبكى الناس يومئذ بكاءً شديداً .

وعن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) بكى حتى يغلبه البكاء .

وقال مسروق رحمه الله : ” قرأت على عائشة هذه الآية : ( فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ) فبكت ، وقالت: ” ربِّ مُنَّ وقني عذاب السموم ” .

وهذا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه كان واضعاً رأسه في حجر امرأته فبكى فبكت امرأته فقال ما يبكيك فقالت رأيتك تبكي فبكيت قال إني ذكرت قول الله عز وجل { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً } فلا أدري أأنجو منه أم لا .

وعن أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأبيِّ بن كعب : “إن الله أمرني أن أقرئك القرآن” قال أالله سماني لك ؟ قال :” نعم” ، قال : وقد ذُكرت عند رب العالمين ؟ قال : “نعم” ، فذرفت عيناه – وفي رواية : فجعل أبيٌّ يبكي -.

وقد تربى السلف الصالح على هذه المعاني العظيمة فرأينا منهم عجبا:

فهذا إسماعيل بن زكريا يروي حال حبيب بن محمد – وكان جارا له – يقول : كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه وإذا أصبحت سمعت بكاءه ، فأتيت أهله ، فقلت ما شأنه ؟ يبكي إذا أمسى ، ويبكي إذا أصبح ؟! قال : فقالت لي : يخاف والله إذا أمسى أن لا يصبح و إذا أصبح أن لا يمسي .

وحين سئل عطاء السليمي : ما هذا الحزن قال : ويحك ، الموت في عنقي ، والقبر بيتي ، وفي القيامة موقفي وعلى جسر جهنم طريقي لا أدري ما يُصنَع بي .

وكان فضالة بن صيفي كثير البكاء ، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته ما شأنه ؟ قالت : زعم أنه يريد سفراً بعيداً وماله زاد .

وقرأ رجل عند عمر بن عبد العزيز وهو أمير على المدينة : ( وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ) فبكى حتى غلبه البكاء ، وعلا نشيجه ! فقام من مجلسه ، فدخل بيته ، وتفرَّق الناس .

وأخيرا فقد قال أبو سليمان رحمه الله : عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر.

من فوائد البكاء من خشية الله :

– أنه يورث القلب رقة ولينا

– أنه سمة من سمات الصالحين

– أنه صفة من صفات الخاشعين الوجلين أهل الجنة.

– أنه طريق للفوز برضوان الله ومحبته.

وبعد فهذه مجرد إشارات لفضيلة البكاء ، و لما كان عليه القوم الصالحون الأوائل من خشية الله والبكاء من أثر هذه الخشية فهل لنا فيهم أسوة؟!.

التجدد في الفكر الإسلاميالتجدد في الفكر الإسلامي

دمتم بسلام

التعليقات

  1. لاحرمنا الله من عبير تواجدك
    دمت بسعادهـ بحجم السمآء
    لقلبك طوق من الياسمين||~

  2. جزاك المولى الجنه
    وكتب الله لك اجر هذه الحروف
    كجبل احد حسنات
    وجعله المولى شاهداً لك لا عليك
    لاعدمنا روعتك
    ولك احترامي وتقديري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *